الأستاذة أسماء محمد أحمد حريز، 24 سنة، صحفية تحت التدريب في جريدة الكرامة، بدأت يومها بتغطية انتخابات الإعادة للمرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية وانتهت ملقاة من سيارة سوداء بعد منتصف الليل في ميدان عبد المنعم رياض بناء على أوامر “الباشا الذي أمضى ساعتين من الليل يفرغ كل ما في نفسيته من مرض وعفن في تعذيب أسماء ومحاولة كسرها.. وكلما أبدت أسماء ما يفيد أنها لم ولن تنكسر كلما زاد توحشه وهو يصرخ فيها: أحنا السلطة الوحيدة في البلد اللي تقدر تعمل اللي هي عاوزاه.. إحنا امن الدولة!!
بهذه الكلمات الهمجية لخص “الباشا” طبيعة جهاز مباحث أمن الدولة.. جهاز اخطبوتي.. لزج.. يمد اذرعه في كل ركن وفي كل شبر من أرض مصر. أفراد متوحشون، يستخدمون الرجال والنساء من المسجلين خطر وأحيان من غيرهم، يحملون هواتفهم المحمولة ذات الأرقام الخاصة، يخفون عيونهم وراء نظارات سوداء باستمرار ربما خوفا من التعرف عليهم أو لأنهم يتصورون أن ذلك يجعلهم يراقبون الناس دون ان يلفتوا النظر.. يستندون الى حصانة غير قانونية مصدرها قانون الطوارئ والاستبداد.. انتشروا فأصبحوا مثل وباء الطاعون.. أفراد يحومون في كل مكان.. في الشارع وفي وسط المظاهرة.. في الجامعة وفي النيابة.. في لجان الانتخابات وفي المحاكم، و حتى في البيوت.. يحملون فيروس الرعب ويسعون إلى بثه في كل قلب ينبض بحب هذا البلد..
لم يعد هناك بد من ان يزال هذا الجهاز من أساسه.. قد يرى البعض أن هذا المطلب غير معقول ونحن نرى انه المطلب الوحيد المعقول.. لم يعد يكفي ان نطالب بمحاكمتهم.. فوصولهم الى المحكمة مرتبط بموافقة النائب العام المعين من قبل السلطة التنفيذية، التي يمثل هذا الجهاز صمام الأمان لوجودها.. لم يعد من الكافي أن نطالب بإقالتهم.. فسلطة إقالتهم منوطة بمن عينهم من البداية لبث الرعب والخوف في قلوب المواطنين بدون مراقبة ومحاسبة من قانون أو جهة سواهم هم انفسهم.. فهم فعليا فوق القانون.. يحضرون تحقيقات النيابة في منتهكين للقانون.. يقحمون أنفسهم على المحاكم.. يقفون قسرا حول منصات القضاء.. يملكون مكاتبا ورجالا وجواسيس داخل الجامعة والمؤسسات الحكومية والنقابية والطلابية بدون سند من القانون.. يفخرون بأنهم من أمن الدولة .. يغلقون الأبواب على ضحاياهم، يكبلونهم، يقيدونهم، ويغمون عيونهم ثم يلاحقونهم باللكمات والركلات والصعق الكهربائي..
لم تكن أسماء أول ضحايا هذا الجهاز البربري الذي تأخرنا في المطالبة بإزالته.. ولن تكون الأخيرة.. فالتعذيب في مقار أمن الدولة حقيقة يومية في مصر.. والتحرش والخطف من الشوارع يبدو انه اصبح السياسة الجديدة التي انتهجتها وزارة الداخلية بعد أن نجح ضباطها في اقتراف ما اقترفوه أو أشرفوا عليه من جرائم يوم 25 مايو دون أن يحرك القانون ساكنا حيث ملف ذلك اليوم الأسود لازال أسير ادراج النائب العام ..
لقد جاءت قصة أسماء وغيرها من العشرات الذين أصيبوا وقتلوا في أثناء الانتخابات “الديمقراطية” التي شهدتها مصر طوال الأسابيع الماضية لتذكر الناس بما قد يكونوا قد نسوه من جرائم يقترفها باشوات مباحث أمن الدولة جهارا نهارا.. ويقف القانون عاجزا عن انصاف الضحايا، إما لأن النيابة العامة لا ترى في الشكوى انتهاكا يستحق لجوء المواطن إلى القضاء وإما لأن الضحية المعصوبة العينين، المكبلة الأيدي لا تملك دليلا ماديا يدل على هوية المجرمين الذين عصبوا عيونها وكبلوا يديها ولم يدخروا أسلوبا إلا واستخدموه في محاول لإصابة الجسد وكسر الروح.
لم نعد في حاجة إلى دليل مادي جديد.. فالأدلة المادية تملأ الشوارع.. وبعضها في القبور.. ولا مجال لإنصاف هؤلاء جميعا سوى بالنضال من أجل إلغاء هذا الجهاز الإجرامي.
مركز النديم