يوم الأحد، السادس من يونيو في الحادية عشر والنصف مساء كان الشاب الاسكندراني خالد سعيد البالغ من العمر 28 عاما في احد مقاهي الانترنت بحي كليوباترا حين دخل عدد من المخبرين بدءوا في التحري عمن في المقهى وحين وصلوا إلى خالد وحاولوا تفتيشه رفض وسألهم عن سبب التفتيش.. لن نتطرق إلى سيل الشتائم التي خرجت من أفواه المخبرين.. لن نتطرق إلى التفتيش الذي نجم عنه سرقة ما في جيب خالد من مال.. كما لن نتطرق إلى تفاصيل الضرب التي تلت ذلك داخل المقهى وخارجه .. لأن التفصيلة الوحيدة ذات المعنى في ذلك الحدث هو ان حياة خالد انتهت على يد رجال الشرطة، بدون سبب، بدون جرم، بدون تفسير سوى جبروت وعربدة وإجرام نظام تخدمه وزارة داخلية اعتاد رجالها الإجرام كما اعتادوا الثقة في أنهم فوق القانون وأن أحدا لن ينال منها.
يكفي أن نقول أن خالد سعيد دخل إلى مقهى الانترنت شابا جميلا وانتهى يومه جثة هامدة لم تقتل فحسب بل قتلت بقسوة وغل وإجرام لا يقدر عليه سوى المجرمون أو مؤلفو أفلام الرعب.
في مشرحة كوم الدكة حيث وضعت جثة خالد رفضت الشرطة دخول شقيقه واصطحبته إلى قسم الشرطة لتقص عليه حكاية ملفقة مفادها أن خالد كان يدخن البانجو وأنه ابتلع سيجارة كاملة.. لكن الجمجمة المهشمة والفك المخلوع والأنف المكسورة والكدمات والجروح وآثار الجريمة وشهادة الشهود كانت كلها تحكي حقيقة ما حدث.. أن خالد مات مقتولا بيد رجال شرطة الداخلية المصرية.. بيد رجال شرطة النظام المصري.
ولم يقف إجرام النظام وأجهزته عند هذا الحد.. ففي مساء أمس تجمع عدد من الشباب أمام قسم شرطة سيدي جابر يعبرون عن احتجاجهم على مقتل خالد ويطالبون بمحاسبة المسئولين.. سبعون شابا وشابة وقفوا على الرصيف المقابل للقسم في الساعة الثانية عشر مساءا فأطفأ القسم أنواره وخرجت عليهم قوة من المخبرين والضباط يضربون ويسحلون ويفرقون الشباب جارين وراءهم كلاب بوليسية لترهيب المارة..
وبدلا من الاعتذار الرسمي عن قتل خالد.. بدلا من إلقاء القبض على الجناة وتقديمهم إلى المحاكمة.. بدلا من عزل حبيب العادلي من منصبه.. ألقت الشرطة القبض على عشرة من الشباب بينهم ثلاثة شابات.. سوف يعرض بعض منهم على النيابة المسائية اليوم.
واليوم تحديدا يقف الوفد الحكومي المصري مرة أخرى أمام المجلس العالمي لحقوق الإنسان في الجلسة النهائية لتقرير المتابعة الدورية الشاملة ليبث أكاذيبه عن أزهي عصور الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، على حين يداه ملوثة – لكل من يريد أن يرى – بدماء مئات المصريين الذين لاقوا حتفهم تحت التعذيب في أقسام الشرطة ومعتقلات نظام الطوارئ.
لم يعد في إمكاننا أن نطالب باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.. فالبلاد لا يحكمها القانون ومجرموها هم القائمون على مصائر المواطنين.. وبرلمانها غير قادر على محاسبة وزير الداخلية.. وقوانينها معطلة بطوارئ مفادها أن الأمن هو سيد الموقف وأن الحصانة مضمونة لكل من يخدم النظام..
ثأر خالد لن تأخذه تحقيقات النيابة.. ولا حكم بالسجن مع وقف التنفيذ لاستخدام مفرط للقوة.. ولا محاولات الرشوة والترهيب لأسرته كي تتنازل عن شكواها.. لن يأخذه سوى عزل حبيب العادلي وزير الداخلية وتقديمه للمحاكمة لآلاف الجرائم التي ارتكبها رجال وزارته لما يقر بمن ثلاث عقود.