النديم لمناهضة العنف والتعذيب

حكاية كل يوم

بنتي عندها 17 سنة، في ثانوية عامة

بنتي نزلت مع البنات، نزلت بعيد عن المظاهرة.. كانت لوحدها. واحد قالها انتي ماشية فين؟ ماتمشيش من هنا، وشاورلها على مكان تمشي منه لغاية ما وصلت للمحل اللي اعتقلوا البنات فيه. حبسوهم والأهالي الشرفاء (البلطجية) قفلوا على المحل وضربوا البنات.

كنت قاعدة قدام التلفزيون بتابع.. لقيت كاتبين على المسيرة في ميدان سرور قبل قليل.

قلقت قلق شديد.. رحت للجيران. قلت أتصل والجيران يتصلوا بصفا، ماتردش.

الجيران قالوا لي مالك؟ ما هي بنتك بتخرج على طول. الموبايل اتفتح، لقيت صريخ صريخ صريخ وماحدش بيرد. اتصلت تاني، برضو ماحدش بيرد، قلت أكيد بلطجية بيضربوها، رحت متصلة ببنت عمها، بقولها انتوا فين؟ قالتلي ادعيلنا يا طنط، احنا في عربية الترحيلات، وبنتك معانا. أنا ماحسيتش بنفسي، ووقعت. بعد كده قالوا لي إن أنا صرخت ووقعت على الكنبة، وقعدت أصرخ: البنات اعتُقلت البنات اعتُقلت.

الجيران قعدوا يطمنوني، اتصلت بسلفتي، قلت لها ننزل عشان يعتقلونا احنا كمان، بس هي نزلت قدام القسم (قسم دمياط ثان)، بس من بعيد. وبعد كده راحت لمحكمة شطا، وفضلت واقفة لـ 3 الفجر.

اتصلت بإبني، قلتله أختك أعتُقلت يا أحمد. كنت خايفة أقولها ليتنرفز. بلَّغ المحامية، بس المحاميين ماكانوش عارفين هما فين، لأنهم كانوا بيطلعوا عربيات ترحيلات كتير من قدام القسم، عشان الناس مايعرفوش البنات راحوا فين.

أصلًا المحامي بتاعهم اعتُقل بعد كده – عشان بس سأل القاضي البنات اعتُقلت ليه. المهم، عرفنا الجمعة العصر إنهم في معسكر قوات الأمن في طريق دمياط الجديدة. المحامية كلمتنا، قالتلنا هاتولهم أكل ولبس بسرعة، لما قالتلي كده عرفت إنهم هيخشوا في دوَّامة 15 يوم في 15 يوم.

جبتلها أكل ولبس، بس مش كله دخلهم طبعًا. أنا لما رحت ناحية مركز قوات الأمن من بعيد، المحامي قال ممنوع الدخول، احنا نفسنا ماشفناهمش. المحامي قال ممكن يدخلهم الحاجة، بس من غير مانشوفهم ولا يشوفونا. اتلخبطنا. ماكناش مصدقين، ناس يقولوا اترحلوا، وناس يقولوا موجودين. واحدة من معارفنا، ساكنة على الطريق، قالت إن يوم السبت الفجر شافت عربيات ترحيلات وعربيات حراسة حواليها ورايحين ناحية بورسعيد. ماكناش عارفين حاجة، والكلام كان متضارب. ماكنتش بنام. ماقدرش أوصفلك حالتي كانت عاملة ازاي. كانت إيمان بنتي لسا مفصولة من الجامعة. كنت أحط دماغي على المخدة، أفتكر اللي ممكن يحصل في السجن. أقوم أهز دماغي يمين وشمال، يمكن الأفكار تقع، وأستغفر ربنا وادعي.

وقت الغروب، نَفَسي بيضيق، وأحس بألم وحزن فظيع. لو نمت لحظات، أقوم قلقانة؛ يارب بيعملوا فيهم ايه، بيناموا ازاي.

بعدها، واحد طيب ادى لأمل مجدي، بنت من التلاتة القُصَّر، اداها التليفون، اتصلت بمامتها، وقالت لها احنا في قسم كفر البطيخ، وقفلت. طلع إن سجن بورسعيد مارضاش يستقبلهم عشان قُصَّر. أهل أمل حاولوا يتصلوا تاني بنفس الرقم، ماردش عليهم. لولا التليفون ده ماكناش عرفنا هما فين.

اتصلنا على طول بالمحامين، المحامين نفسهم ماكانوش مصدقين. بس لما ناس راحت بورسعيد، عرفوا إن التلاتة القصَّر راحوا كفر البطيخ. كانوا قاعدين في عربية الترحيلات 7 ساعات في الجو الحر، رايحين جايين.

بعد كده، روحنا لهم يوم الزيارة، كان يوم الأحد تقريبًا. رحنا بدري، كنا أول ناس هناك. الزيارة بتبتدي الساعة 1، احنا رايحين الساعة 10 أو 11 تقريبًا. كنت أنا وخالتها، كان المفروض ندخل أول ناس، لما عرفوا احنا جايين لمين، قالوا يدخلونا آخر الزيارة. قالوا “سياسيين.. آخر ناس”.

دخلنا على 3 أو 4 كده، الزيارة مابتاخدش 3 دقايق، وهما واقفين معاكي. أول ما دخلنا، تفتيش، بيستهزقوا بينا، بيطلعوا كل الملابس، حتى الملابس الداخلية. ويرمي، يكب الأكل على الملابس، ويفتشوا باستهزاء واستهتار. وقفونا، دخلونا أوضة قدامها طرقة صغيرة، الأوضة اتنين متر في اتنين متر ونص، جواها حمام، وهم التلاتة فيها، ومعاهم 2 جنائيين.

أول ما بنتي شافتني، اتخضت وشهقت. المنظر أثر فيا. قعدت أسألها “انتوا كويسين؟ ضربوكوا؟”، قالتلي “ماتخافيش يا ماما”. المرة دي بس اللي اتكلمنا. بعد كده بقينا نحط الحاجة ونمشي.

قعدوا في كفر البطيخ فترة. كل ما يجددوا لهم، بيجمعوهم كلهم على بعض، هم وبنات سجن بورسعيد، في مركز قوات الأمن، وبعد كده يرجعوهم قسم كفر البطيخ تاني.

وبعد كام تجديدة، قالوا لنا هيودوهم قسم كفر سعد. يوم التجديد، وحتى قبل ما يجددوا لهم، قالوا لهم خدوا حاجتكم من كفر البطيخ، هيتجددلكم وتروحوا قسم كفر سعد. كانوا عارفين قرارات النيابة من قبلها. اتجدد لها يوم الاثنين، ورحت زيارة في قسم كفر سعد يوم الثلاثاء. الزيارة من خلال سلك. السجن اللي كان فيه أوضة 2 في متر. التهوية مافيش. المكان صغير. المكان ريحته وحشة عشان الحمام والنفس.

كانوا معاهم جنائيين، وكل ليلة يجيلهم ناس. لكن بتوع كفر سعد، كانوا نوعًا ما أحسن من بتوع كفر البطيخ، إلا واحد منهم، كان بيزعق على الفاضي والمليان.

مرة كتبتلها ورقة، وقريتها للمأمور وافق عليها، بديها لبنتي، قام واحد من الحرس مقطعها. كنت بقولها تعمل ايه في الأكل، لأنهم لو كانوا سابوا الأكل لتاني يوم، كان بيتغير وبيبقى عليه طبقة عفونة.

رحت عملت استئناف، إني ولية أمرها لأن أبوها مش موجود. وكيل النيابة قعد يقولنا هنعملكوا كل اللي انتوا عايزينه، وبعدين رفض الاستئناف. هو رفض الاستئناف، وجدد للبنات من هنا، ومات من هنا. قعدنا نعمل في استئنافات، طلعوا آخر شهر 6. رجعوهم قسم ثان دمياط، وبعد كده أفرجوا عنهم قبل الفطار بشوية عشان يغلسوا عليهم. قعدوا يقولوهم ماتعملوش كده تاني، وإلا انتوا عارفين. أول ما طلعت وشها شاحب شوية. مش عايزة تتكلم، ماحكيتش خالص عشان ماتزعلنيش. فين وفين، بعد زن، قالت لي إن يوم القبض بعد ما البلطجية حبسونا، والشرطة قالت لهم عملتوا اللي عليكوا خلاص، ضربونا جامد، وفضلوا يضربونا لغاية ما طلعنا عربية الترحيلات، وكانت الرجالة بتسقف، والستات بتزغرط في الشارع.

لما خدوهم على قوات الأمن، فضلوا طول الليل واقفين، وشهم للحيط، واللي تتحرك تتضرب. شتموهم بألفاظ “جميلة” أوي. بعد الفجر، أخدوهم للتحقيق كل واحدة ساعتين. قالت لي في كفر البطيخ، كان مقفول عليهم إلا ساعة الزيارة، في كفر سعد المأمور مرة لقى ريحة الزنزانة سيئة، خرجهم وقفهم في الشمس شوية.

بنتي مابقتش بتنام غير على الأرض. بالعافية بنيمها جنبي. بتذاكر قليل أوي، بتلبس اسود في اسود، ماعندهاش غير طقم واحد حتى في الأفراح. كل ما بتاكل حاجة، بتفتكر اللي في السجن بيحبوا ايه، ولازم تروح كل الزيارات. أنا مش راضية أضغط عليها.

مواضيع ذات صلة