النديم لمناهضة العنف والتعذيب

ردًا على رد الخارجية على تقرير هيومان رايتس ووتش

بداية، لماذا قررت الخارجية أن ترد على التقرير بعد ان أعلنت أن افضل تعامل معه هو التجاهل (بوابة الوفد، 7 سبتمبر)؟ وما شأن الخارجية أن ترد أو تعلق على ما لا علم لها به؟ هل زار المتحدث بإسم الخارجية السجون أو أقسام الشرطة؟ هل يستطيع هو أو غيره من وزارة الخارجية أن يجرؤ على طلب زيارة مقار أمن الدولة التي بدلوا اسمها إلى الأمن الوطني رغم استمرار – إن لم يكن اتساع – المقار وأساليب التعذيب الوحشية؟

رد الخارجية يدعي أن التقرير وصف ما حدث في يونيو/يوليو 2013 بأنه انقلاب عسكري، وهذا كذب. لم يرد في كل التقرير كلمة “انقلاب” ولو مرة واحدة، بل تحدث عن إزاحة الجيش لمحمد مرسي. أو لم يكن من أزاح مرسي وزير الدفاع في حينها؟ كما تحدث عن المظاهرات التي طالبت بعزل مرسي وعن انتهاكات حقوق الإنسان التي استمرت في عهد محمد مرسي وعن أحداث الاتحادية وعن تعذيب عدد من المعارضين له بواسطة أعضاء من الإخوان المسلمين. أين الكذب في كل ما سبق؟

لكن ما سبق ليس هو الأهم في التقرير بل الأهم هو أداء الداخلية وضباط أمن الدولة. فهل كذب التقرير في هذا الشأن؟ هل كذب التقرير حين تحدث عن قوات الضبط والإحضار في كثير من الأحوال يرتدون الملابس المدنية، ويكونوا مسلحين، ويرفضون إظهار أوامر القبض والتفتيش وأن القبض عادة ما يحدث في ساعات الصباح الأولى، وأنه يتم تغمية وتقييد المعتقلين أثناء نقلهم من مكان إلى مكان أو من منازلهم إلى مقار الاحتجاز؟ هل كذب حين تحدث عن الصعق الكهربائي في مختلف أنحاء الجسد والضرب والتعليق والتهديد بالاغتصاب والاغتصاب بعصا؟ هل كذب حين تحدث عن الاعترافات تحت التعذيب وتصوير المعذبين وتلقينهم شهادات لتصويرهم وبث تلك الفيديوهات على مواقع النظام والتليفزيونات؟

هل كذب حين تحدث عن “التشريفة”، حفلة الضرب التي تستقبل المعتقل أثناء دخوله إلى السجن؟ وهل كذب عن تأخير عرض المعتقلين على النيابة وحرمانهم لأيام من التواصل مع محاميهم وأسرهم؟ وهل كذب حين ذكر ان بعض المعتقلين تلفق لهم تهم جديدة وهم رهن الاعتقال؟ في مصر آلاف الأسر ممن لهم معتقلين داخل السجون بعد أن مروا على مقار أمن الدولة يعلمون أن كل هذا وأكثر منه يحدث. وحين تحدث تلك المعاملة في أكثر من سجن في أكثر من محافظة لأكثر من فرد لا صلة بينهم سوى أنهم معتقلون لدى نفس النظام، وحين تتشابه أساليب التعذيب ولغة المحققين والاتهامات المترتبة على اعترافات انتزعت تحت التعذيب يصبح التعذيب منهجا للدولة وسياسة في التعامل مع المعارضين. فأين الكذب في وصف التعذيب بسياسة منهجية في مصر.

تقرير هيومان رايتس ووتش ينتهي بتوصيات لرئيس الجمهورية ووزارة الداخلية والنيابة العامة.. لكنه لا يوجه أي توصيات لوزارة الخارجية. لماذا انبرت الخارجية – التي تخضع بدورها لعملية “تطهير” من الأجهزة الأمنية – للدفاع عن ممارسات لا علم لها بها وتشهد على صدقها مئات الشهادات الموثقة من الناجين من التعذيب، ويعلمها الآلاف من أسرهم وأصدقاءهم والمتعاطفين معهم والمدافعين عن حقوق الإنسان؟

التعذيب جريمة جبانة تمارسها الدولة في غرف مغلقة على ضحايا مغميين ومقيدي الأيدي وأحيانا الأرجل أيضا، خوفا من أن يتعرف الضحايا على جلاديهم، فينتقمون في يوم ما. والجبان يخاف من أن تنكشف جريمته. ولأن الدولة خائفة رغم طغيانها فقد أنابت الخارجية عنها لتكذب ما ورد في التقرير. ولأن الخارجية لا تملك إلا أن تنصاع لأوامر الدولة ممثلة في أجهزتها الأمنية فقد أسرعت بإدانة التقرير ونفي صحته، لعل وعسى أن يصدقها العالم وأن نصدقها نحن. قد يصدقها العالم الذي يتشارك معها في مصالح مالية واقتصادية. لكننا المدافعين عن حقوق الإنسان نعلم ما يحدث في الزنازين المغلقة وفي مقابر العقرب والعازولي والجلاء. نعلم لأننا استمعنا إلى الشهادات ورأينا رؤى العين ما أحدثه الجلاد في أجساد ونفوس المحتجزين من جروح وندوب.

مواضيع ذات صلة