النديم لمناهضة العنف والتعذيب

متى حصلت الداخلية على بكالوريوس الطب؟

لم تكن المرة الأولى وإن كنا نتمنى أن تكون الأخيرة، التي تلجأ فيها وزارة الداخلية إلى الإسراع بتفسير الجرائم على أنها بفعل مختل عقليا.. فجأة أصبحت الداخلية التي لا تعرف أسلوبا للتعامل مع المواطنين سوى الردع والضرب والاعتقال والتعذيب، قادرة في لمح البصر على أن تقوم مقام الأطباء النفسيين فتحكم على هذا وذاك بالمرض العقلي متصورة أنها تتحكم في شعب من منخفضي الذكاء سوف يصدقون ما يرد منها وكأن هذا الشعب لم يعش عقودا من الاكتواء بنار أكاذيبها وفي أحيان كثيرة نار جلاديها.

فجريمة بني مزار اقترفها مختل عقليا.. ومذابح الكنائس الأربعة في الإسكندرية ارتكبها مختل عقليا.. ومن يحاول مقابلة الرئيس أو تسليم رسالة له يتم اعتقاله أو ضربه بالرصاص – كما حدث في بورسعيد على أنه مختل عقليا…. وجدير بالذكر أن المختلين عقليا الذين تقوم الوزارة بتشخيصهم، يتميزون بقدرات تفوق طاقة البشر الراشدين عقليا. ففي يني مزار استطاع هذا المتخلف عقليا أن ينتقل بين عدة منازل وأن يقتل سكانها وأن ينزع عنهم بعضا من أعضائهم في صمت ودون أن يشعر به أحد!!.. وفي مذابح الإسكندرية التي حدثت يوم 14 أبريل 2006، استطاع هذا المختل عقليا أن ينتقل بين أكثر من كنيسة في نفس الوقت.. يضرب ويقتل ثم يغادر الكنيسة دون أن يوقفه أحد لينتقل إلى كنيسة أخرى فيفعل نفس الشيء ثم إلى ثالثة ورابعة!! يريدون أن يقنعونا أن الفاعل هو المختل عقليا.. ولولا احترامنا لمهنتنا وقسمنا بألا نستخدمها إلا فيما يفيد الإنسان ويبعد عنه المرض والألم ولولا احترامنا لمرضانا وإصرارنا على ألا نعتبر مرضهم سبة لوصفنا الداخلية والمتحدثين نيابة عنها بنفس الوصف..

ولم تكتف التصريحات الرسمية بوصف الفاعلين بأنهم مرضى بل أنها تجاوزت ذلك في تشخيص أسباب وفاة الضحايا.. فقد ورد على لسان السيد محافظ الإسكندرية نصا ما يلي: "واحد توفى.. الحقيقة ده راجل كبير كان متعور فعلا بس أعتقد – حسب كلام الأطباء – ان التعويرة زائد الصدمة العصبية طبعا خلته توفى". السيد محافظ الإسكندرية يشخص سبب وفاة أحد المواطنين الذي يبلغ من العمر 67 عاما، ويبدو أن السيد المحافظ يعتقد أن هذه سنا من الطبيعي أن يموت الناس عندها!- بأنه مات نتيجة الصدمة ويصف إصابته بـ "التعويرة" على حين بثت شبكات الأخبار صورته غارقا في دمه وملقى في الشارع!! إذا كانت أجهزة الدولة، وعلى رأسهم وزارة الداخلية، لا تحترم عقول مواطنيها، فليعلموا أنها شعور متبادل.. فنحن أيضا لا نحترم أكاذيبها ولا نصدقها. فهي أكاذيب ساذجة، تعكس استهتار من يطلقها بقدر ما تعكس قانون الغاب الذي أصبح يحكم بلادنا.

إننا كأطباء نرفض أن تستخدم مهنتنا في التغطية عما يجري في هذا البلد من احتقان وجرائم.. وكمسئولين عن صحة مرضانا وإعادة اندماجهم في المجتمع نرفض أن يستخدم المرض العقلي سبة أو تخريجة لكل كارثة تحل بالبلاد.. ونعتبر أن ما حدث في الإسكندرية هو حلقة جديدة ومخيفة في مسلسل اضطهاد الأقباط وقتلهم تضاف إلى حلقات الكشح الأولى والثانية والمنيا و محرم بك والعديسات وغيرها، ونحمل وزارة الداخلية مسئولية تكرار تلك الجرائم على مرأى ومسمع منها وهي التي لم تترك ركنا في البلاد لم تزرع فيه ضباطها وعسكرها ومخبريها تحت دعوى الحفاظ على الأمن.. كما نطالب الحركات المصرية المطالبة بالديمقراطية أن تتخذ المواقف التي تتناسب مع حجم ما يتعرض له الأقباط المصريين من اضطهاد وأن تتبنى مطالبهم وأن تدافع عن حقهم في المساواة بالمسلمين من حيث حق حرية العقيدة وممارسة الشعائر والدعوة وبناء الكنائس، وأن تراقب وتحاسب وترصد وتتصدى لتصريحات بعض الرموز الإسلامية التي تسعى إلى تقسيم البلاد على أساس من الديانة والعقيدة ثم تعلق على مثل تلك الجرائم بالترويج "للنسيج الوطني المتماسك" الذي اهترأ لدرجة لم تعد تسمح بترقيعه.
 

مواضيع ذات صلة