منذ عدة أيام أصدر البرلمان الأوروبي (المنتخب) قرارا يلفت نظر الحكومة المصرية لكل ما وقعته وصادقت عليه ووافقت عليه من اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي والتي تضمنت التزام الحكومات الأوروبية والمصرية باحترام حقوق الإنسان في مختلف المجالات.. القرار يوجه نقدا دبلوماسيا، رقيق اللهجة، لعدم التزام الحكومة المصرية بما تعاقدت عليه ويطالبها بالالتزام بشروط العقد.. قامت الدنيا ولم تقعد وارتفعت الأصوات، حكومية وبرلمانية، تشجب وتدين وتهدد بالمقاطعة وتدافع عن السيادة المصرية!! بل وتهدد بفضح انتهاكات أوروبا لحقوق الإنسان الخاصة بالمسلمين والأقليات في البلاد الأوروبية.. رغم أن حق “الفضح” ذلك منصوص عليه في الاتفاقية كحق للطرفين مجرد عتاب بين طرفين تربطهما اتفاقيات تجارية ومالية وأمنية تجب كل اتفاق على احترام حقوق الإنسان..
فأي سيادة تلك التي يدافعون عنها.. إن سيادة الدولة مرهونة باحترامها لحقوق مواطنيها.. والسيادة لا تعني حرية القبض والاعتقال والتعذيب وملاحقة أصحاب المعتقدات الدينية المختلفة.. إلا إذا كانت الحكومة قد قررت، سرا، أن تخصخص شعبها بحيث أصبحت تتعامل معه وكأنها تملكه..
الغريب أن الحكومة المصرية تشعر بالإهانة حين ينبهها حلفاءها إلى ضرورة احترام حقوق المصريين حفظا لماء الوجه.. لكنها لا تشعر بالإهانة حين تطالب بإغلاق معبر رفح أو إغلاق الأنفاق “السرية” التي تربط ما بين مصر وغزة.. ولا تشعر بالإهانة وانتهاك السيادة حين يتعلق الأمر بحماية الحدود الإسرائيلية والهرولة إلى ملاقاة الرئيس الأمريكي وحجب الدعم والكهرباء والأموال عن غزة وعدم الاعتراف بالحكومة الفلسطينية المنتخبة بناء على أوامر البيت الأبيض.. ولم تشعر بالإهانة وانتهاك السيادة حين فتحت قناة السويس أمام آلة الحرب الأمريكية لتضرب العراق.. ولا تشعر بالإهانة وانتهاك السيادة وعلم الدولة الصهيونية لازال يرفرف في سماء الجيزة علي حين تقطع الكهرباء عن قطاع غزة كمحاولة جديدة لخنقه بعد أن عجز الحصار والتجويع والقتل والقصف عن إجبار الشعب الفلسطيني على القبول بسياسة الأمر الواقع..
إن غضب الحكومة المصرية من قرار البرلمان الأوروبي يشير إلى أن الحكومة المصرية تعتقد أنها حرة التصرف في شعبها.. وتهديدها بفضح الانتهاكات الجارية في أوروبا هو في واقع الأمر إعلان للتواطؤ واعتراف ضمني بما تقترفه الحكومة المصرية من جرائم، تقايض على عدم فضحها.. ونحن العاملين في مناهضة التعذيب نعلم اختطاف المشتبه فيهم عبر مطارات أوروبا لتعذيبهم في مصر هو أحد أفظع تلك الانتهاكات.. لكن من يفضح من؟ من صدر لنا الضحايا.. أو من قام بتعذيبهم بالنيابة.
إننا ، أيضا ندافع عن السيادة.. لكننا لا ندافع عن سيادة الدولة ولا عن سيادة النظام بل ندافع عن سيادة المواطن في هذه المنطقة المنكوبة بحكامها.. سيادة المواطن المصري في أن يعيش حياة خالية من التعذيب والقمع والاعتقال والملاحقة.. وسيادة المواطن الفلسطيني في أن يقاوم وأن يناضل من أجل استعادة الأرض المسلوبة.. وسيادة المواطن العربي عموما من المحيط إلى الخليج في أن يتحرر من طغيان الحكام والتبعية سوءا بسواء.
السيادة اليوم هي في إطلاق سراح المعتقلين وفي إنهاء التعذيب ورفع حالة الطوارئ وإلغاء القوانين الاستثنائية وأن ينتزع المواطنون حقهم في حرية التنظيم والتعبير والاعتقاد والحرية السياسة والعدالة الاجتماعية
السيادة اليوم، وغزة تئن تحت الحصار وأطفالها يموتون في المستشفيات، هي في قطع العلاقات مع الدولة الصهيونية وطرد سفيرها وإغلاق سفارتها وبحث كافة سب الدعم وتقديمه للشعب الفلسطيني المحاصر في أرضه.
فالسيادة هي سيادة الشعوب وليست سيادة حكامها..