النديم لمناهضة العنف والتعذيب

رجائي محمد منير قبل وبعد استضافته في مديرية أمن الإسكندرية

 

كيف كان لرجائي محمد منير أن يتنبأ بأن فسحة على كورنيش الإسكندرية سوف تنتهي به في قسم جراحة المخ والأعصاب بالمستشفى الأميري مصابا بنزيف في الفص الأمامي الجانبي من المخ بالجهة اليمنى زائد ارتجاج بالمخ زائد تورم بالمخ زائد كسر بعظمة العضد الأيسر وتجمع دموي تحت الكبد وضعف في حركة الساقين.. لم تكن إصابة رجائي نتيجة حادث سيارة ولا نتيجة سرقة بالإكراه في الشارع وإنما لأن قوة من رجال شرطة قسم رعاية الأحداث بمديرية أمن الإسكندرية قررت أن تلقي القبض عليه ضمن واحدة من حملاته لحفظ الأمن والأمان.. رجائي ليس حدثا فهو يبلغ من العمر 46 عاما.. كما أنه يعاني من درجة من الإعاقة الذهنية.. لذلك فهو يحمل بطاقة، زوده بها أخوه الدكتور إلهامي تحسبا لأي مشاكل قد يتعرض لها في غيابه.. هذه البطاقة تقول أن رجائي معاق ذهنيا وتحمل رقم الهاتف المحمول الخاص بأخيه للاتصال عند الحاجة.. لكن إعاقة رجائي لا تمنعه من الخروج وحده والعودة إلى منزله كما لا تمنعه تلك الإعاقة من إدراك أن أخيه يعمل طبيبا وأن اسمه إلهامي.. لكن يبدو أن هذا الإدراك هو ما كلف رجائي كل ما تعرض له من وحشية على أيدي محمد بيه ورجاله في قسم الأحداث بمديرية أمن الإسكندرية.

تفاصيل ما جرى هي كالتالي على لسان الدكتور إلهامي محمد منير سلطان شقيق رجائي.

يوم 21 يوليو 2008 أخويا رجائي خرج يتمشى على البحر وما رجعش.. لفيت عليه المستشفيات والأقسام كلها لغاية ما وصلت شرطة النجدة الساعة 5 الفجر.. لم يستدلوا عليه وقالوا تعالى نعمل لك محضر.. الساعة 10 صباحا عملت المحضر وكملت لف على المستشفيات.. الساعة 6 مساء يوم 22 يوليو على بوابة المستشفى الميري سألت، قالوا ما عندناش حد بالاسم ده.. بصيت بنفسي في الكشف لقيت شخص مكتوب انه دخل يوم 21 يوليو ومكان الاسم مكتوب “مواطن”!! طلبت منهم أتعرف عليه يمكن يكون أخويا.. في الاستقبال لقيت اسم أخويا محجوز في قسم جراحة المخ والأعصاب.

عرفت انه دخل المستشفى فاقد الوعي وإنهم عملوا له عملية لإزالة تجمع دموي بالمخ نتيجة لحادثة. قالوا لنا إن سيارة إسعاف بتاعة مستشفى جمال عبد الناصر نقلته على المستشفى الميري وان العربية سلمته وسابته ومشيت من غير أي تفاصيل.

دخلت على أخويا كان منظره فظيع واتنين واقفين جنبه.. الأول ما كنتش عارف دول مين.. بعدين عرفنا إنهم من مباحث الأحداث.. سألتهم واقفين هنا ليه؟ أخويا عمل حاجة؟ قالوا: لو كان متهم كنا كلبشناه حتى لو كوم عضم.. احنا واقفين جنبه لحمايته.

سألت رجائي ايه اللي حصل؟ قال: مفيش. ودور وشه الناحية التانية، وبعدين قال لي اسألهم (على اللي واقفين جنبه).. هم عارفين. بعد شويه جه شخص، عرفني باسمه.. العقيد أكرم سليمان.. من مباحث الأحداث.. قال لي انه جاي يطمئن على رجائي.. قال إنه حصلت له حادثة، فقد الوعي، نقلناه على هنا. وقال لي العقيد أشرف عبد القادر رئيس قسم رعاية الأحداث، إدارة البحث الجنائي، عاوز يشوفك.. رحت له في مديرية أمن الإسكندرية.

هم الاتنين عاملوني أحسن معاملة.. وحلفوا على المصحف انه ما حدش عمل لرجائي حاجة. وإنهم كانوا في حملة لضبط الأحداث المتسولين، ورجائي كان ماشي مع بنت لما شافوا البوليس جريوا، رجائي وقع على السلالم وهم بيجروا والبنت موجودة ومستعدة تشهد قدامك بكده.. وسألوني اذا كنت محتاج أي مساعدة منهم والعقيد أشرف إداني الكارت بتاعه ورقم موبايله الخاص وقال لي أكلمه لو محتاج أي خدمة.. طلبت نقله لمستشفى خاص.. عرضوا علي يتكفلوا بنفقات علاج رجائي في الخاص.. طريقتهم شككتني

نقلت رجائي للمستشفى الألماني، دخلوه العناية المركزة بقى في العناية 3 أيام بعدين نقلوه لغرفة عادية.

سألت رجائي مرة تانية، قال أنا عاوز حقي. ما كانش عاوز يتكلم، خايف، قلت له لازم تحكي لي عشان أجيب لك حقك.. عرفت منه انه كان على الكورنيش في مصطفى كامل والبوليس قبض عليه واخدوه لمديرية أمن الإسكندرية ومعاه حوالي 14 واحد، رجائي بيتهته في الكلام.. قدام الضابط، رجائي طلع بطاقته (صورة البطاقة وفي ضهرها ورقة انا كاتبها له عشان لو حصل له حاجة في الشارع، مكتوب انه معاق ذهنيا ورقم تليفوني المحمول للاتصال). الضابط رمى البطاقة على الأرض.. رجائي قعد يقول له أخويا دكتور، جارنا حكمدار في القسم، أكلمهم في التليفون.. الضابط ضربه بشومة على راسه.. والمخبر ضربه بشومة على دراعه.. ضرب لغاية لما فقد الوعي.. فاق لقى نفسه في المستشفى.. كررت معاه الكلام تاني وتأكدت إن رجائي فاهم اللي قاله ومتأكد منه وعارف مكان المديرية ومتأكد انه كان فيها. وقررت أوصل لواحد من اللي كانوا معاه وحكي لي نفس الحكاية.. شاب عنده 17 سنة، غلبان، بائع متجول ومستعد يشهد.

رحت على المحامي العام.. قدمت شكوى

عرفت ان اكرم سليمان رايح جاي على النيابة وان الشاهد غير اقواله؟؟ كان فيه شهود كتير لكن خايفين.. النيابة سمعت اتنين فقط.. رجائي خرج من المستشفى وحاليا في منزل أخته.. كل جسمه كدمات، رجليه فيها ضعف وبنعمل له علاج طبيعي.. رجائي بقى بيخاف من أي صوت وهو في المستشفى كان بيقول ما تخلوش حد يدخل عليا وفتشوهم.. حاسس انه أي حد ممكن يعمل فيه حاجة..

رجائي ما يعرفش يقرا ولا يكتب، عايش معايا، انا اللي بأرعاه.. كان بيلبس نفسه ويحمي نفسه ويشتري ويتمشى ويرجع البيت لوحده.. هادي ومسالم، لم يكن يعاني من أمراض أخرى.. ما أعرفش بعد الحادثة دي ايه هيكون الحال

انا من ساعتها حالي واقف.. مش بأروح شغلي وان رحت مش مركز ومش عارف اشتغل.. كلنا متعطلين.. عاوز حق أخويا.. القصاص من الضابط وان ده ما يحصلش لحد تاني.. كلنا عرضه لان ده يحصل لنا

هل من جهة في هذا البلد قادرة على محاسبة محمد بك و العقيد أكرم سليمان والعقيد أشرف عبد القادر بقسم رعاية الأحداث بمديرية أمن الإسكندرية أم أن ملف رجائي سوف ينضم إلى أكوام ملفات التعذيب المغلقة في أرشيف النيابة العامة؟ 

هل من جهة قادرة على محاسبة وزارة الداخلية على ما اقترفه رجالها في حق رجائي؟ هل من جهة قادرة على مسائلة وزير الداخلية على سياسة التعذيب التي أصبحت اللغة المفضلة لديها في التعامل مع المواطنين؟

وأخيرا لماذا التوقيع على كل تلك الاتفاقيات إذا كانت الحكومة المصرية لا تتوقف عن انتهاك كل حق ورد في تلك الاتفاقيات؟

القاهرة في 26 أغسطس 2008

مواضيع ذات صلة