نشرت وزارة الصحة بالأمس الأربعاء 24 فبراير 2016 بيانا بشأن قرار إغلاق مركز النديم، نشرته جريدة الشروق، كما نشرته باللغة الإنجليزية صفحة وزارة الخارجية المصرية، جاء فيه معلومات غير حقيقية عن مركز النديم وذلك بالرغم من زيارتنا لوزارة الصحة وتصحيحنا لتلك المعلومات. ومع إصرار الوزارة على تكرار هذه المغالطات نجد أنفسنا مضطرين مرة أخرى إلى تصحيحها للرأي العام.
أولا: مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف منظمة مصرية غير حكومية تأسس في عام 1993 (وليس 2004) بإشهار وتوثيق في الشهر العقاري بمحضر توثيق 2668 لسنة 1993. هذا المركز لا يخص وزارة الصحة في شيء، حيث أنه الشكل القانوني الذي تندرج تحته كافة أنشطة مركز النديم.
ثانيا: من بين تلك الأنشطة تأسيس عيادة باسم "النديم للعلاج والتأهيل النفسي" حصلت على ترخيص من نقابة الأطباء أولا، ثم رخصة تشغيل منشأة طبية من وزارة الصحة. ولما كانت وزارة الصحة لا تشمل في أنواع عياداتها تخصص "العلاج والتأهيل النفسي" فقد قامت الوزارة بتسجيل العيادة بأقرب تخصص لها وهو "عيادة مشتركة نفسية وعصبية".. واخطرتنا بذلك
ثالثا: لم يحدث منذ تأسست المنظمة والعيادة حتى اليوم أن غير المركز أو العيادة أسماءهما. ما تغير عبر ثلاثة وعشرين عاما هو نشاط وعنوان المركز وعنوان العيادة ومع كل تغيير تم تعديل عقد المركز والتصديق على هذا التعديل في المحكمة.
رابعا: عملنا المهني في مجال الصحة والخاص بتأهيل ضحايا العنف والتعذيب يتم من خلال العيادة. كل اصداراتنا وتقاريرنا والتدريبات للأطباء تتم من خلال المركز ولا علاقة لها بالعيادة. ولكل من العيادة والمركز عنوان ومقر مختلف. وبالتالي فإننا لم نحول نشاط العيادة إلى نشاط مركز كما تدعي وزارة الصحة.
خامسا: تدعي وزارة الصحة أن العيادة ارتكبت مخالفتين، الأولى هي "تغيير المسمى من عيادة إلى مركز"، وهذا لم يحدث، فكلاهما مستمران باستقلال أحدهما عن الآخر. والثانية هي "تغيير النشاط من نشاط طبي إلى نشاط حقوقي" وهو أيضا غير حقيقي إلا إذا كانت وزارة الصحة تقصد بالحقوقي هو ما قيل لنا في وزارة الصحة من إصدار تقارير تتحدث عن "التعذيب وقمع الشرطة لأفراد من الجماعة الإرهابية". مرة أخرى هذا النشاط الأخير يتم من خلال المركز وليس من خلال العيادة ومن ثم فلا شأن لوزارة الصحة به.
سادسا: لم يحدث أن وجهت الوزارة إنذارا لنا على الإطلاق ولم نخطر بمخالفات، ولم نمنح مهلة لتغيير أي شيء، بل أن حضور فريق حي الأزبكية لتشميع المكان بالشمع الأحمر جاء مفاجئا وأول ”تعامل“ من قبل الوزارة منذ عام 2004.
سابعا: صحيح أن لجنة من وزارة الصحة جاءت إلى العيادة في يونيو 2004، أي منذ 12 عاما، بل يمكن القول إنها اقتحمت العيادة وبدلا من التفتيش على ما يحق لها التفتيش عليه من عدم وجود قسم داخلي غير مرخص له أو غرفة عمليات غير مرخص لها أو توفر الأدوات الطبية الأساسية من عدمه، اقتحمت غرفة الإدارة وسرقت عددا من ملفات المرضى التي تتمتع بالخصوصية ولا يحق لأحد الاطلاع عليها سوى الطبيب المعالج أو النيابة في حال وجود شكوى ضد المركز من مرضاه، كما "نتشت" أوراق من جهاز الفاكس وحين اعترض الطبيب المتواجد حينها الدكتور عبد الله منصور أخفت الأوراق تحت قميصها وتحدته أن يأخذها!!! ورغم ذلك لم تغلق العيادة ولا يوم واحد، وإنما ذهبنا إلى النيابة للرد على اتهامات لجنة وزارة الصحة في نفس الوقت الذي تقدمنا فيه ببلاغ إلى النيابة نتهم فيه الوزارة بانتهاك خصوصية العيادة وخصوصية المرضى وترويع من كان متواجدا من المرضى ومن وصفتهم السيدة الفاضلة بأنهم "رجال سود". وفي النهاية حفظ البلاغان وانتهى الأمر.
هنا ينتهي الرد على ادعاءات وزارة الصحة في بيانها الصادر بالأمس.
مع ذلك لازال لدينا بعض الرسائل التي نود أن نوجهها لوزارة الصحة والرأي العام وكافة المهتمين بقضية النديم
أولا: مهنيا، الوزارة اسمها وزارة الصحة وليس وزارة الطب وبالتالي كان الأجدر بمسئولي الصحة أن يدركوا أن الوقاية خير من العلاج وأن عمل مركز النديم يستكمل عمل العيادة، فلا تأهيل لضحايا ظاهرة اجتماعية دون إعلام الرأي العام والجهات المسئولة بخطورة هذه الظاهرة وتأثيرها السلبي على المجتمع ككل، وليعلم مسئولو الصحة وغيرهم أن التأهيل النفسي لضحايا العنف في أي مكان في العالم يشمل الكثير مما يتجاوز كتابة برشامة للمريض.
ثانيا: كان الأجدر بوزارة الصحة أن تلتزم بمسئولياتها وأن تقتصر تدخلها على مجال عملها، لا أن تقوم بدور واجهة لوزارة الداخلية أو وزارة التضامن الاجتماعي في محاولة إغلاق المركز. فلسنا بغائبين عما يدور في الساحة المصرية من تضييق على حريات البشر عموما والمجتمع المدني خصوصا ومنظمات حقوق الإنسان على وجه الخصوص، وكنا نربأ بوزارة الصحة أن تلعب بهذا الدور
ثالثا: نحن نعلم علم اليقين، فلن "نكذب عيوننا ونصدق ما دونها"، أن قرار اغلاق مركز النديم هو قرار صادر إلى وزير الصحة من مجلس الوزراء وأن المحرك لهذا الإغلاق هو، بنص قرار مجلس الوزراء، "تقرير صادر عن المركز نشرته جريدة المصري اليوم يتناول تعذيب وقمع أفراد من الشرطة لأعضاء من الجماعة الإرهابية"، وأن التوصية لوزير الصحة صدرت بتاريخ 18 يناير 2016.
وأخيرا وليس آخرا، ما لم تكونوا أغلقتم العيادة خلال أجازتها الأسبوعية (الخميس والجمعة) فسوف نتوجه إلى العيادة يوم السبت. وسوف تظل العيادة مفتوحة والمركز مفتوحا. وإن أغلقتم كليهما فسوف يستمر إصدار التقارير ومن قبلها سوف يستمر تأهيل ضحايا العنف والتعذيب ما دمنا نحن أطباء وما دامت هذه الدولة مصرة على استخدام التعذيب وسيلة لقمع مواطنيها.
أطباء مركز النديم
25 فبراير 2016