النديم لمناهضة العنف والتعذيب

الدكتور طاهر مختار يتسلم جائزة العفو الدولية في برلين نيابة عن مركز النديم

“سعيد جدا أن أكون بينكم هنا اليوم، لاستلام هذه الجائزة الهامة نيابة عن مركز النديم، وهي الجائزة التي تعني الكثير للمركز ولكل المهتمين بحقوق الإنسان حول العالم.

في الوقت الذي يشتد فيه تضييق النظام المصري على المركز في السنوات الأخيرة بسبب دوره المركزي في الدفاع عن ضحايا الانتهاكات المختلفة في مصر؛ وعلى رأسهم ضحايا العنف والتعذيب، وضحايا الاختفاء القسري، وضحايا الإهمال الطبي في السجون، تأتي هذه الجائزة الهامة لتسلط الضوء حول نشاط المركز من أجل هؤلاء الضحايا الذين تمارَس ضدهم هذه الانتهاكات الوحشية، ولتعيد تذكير كل المهتمين حول العالم بهم وبأقرانهم في الأماكن الأخرى الذين يجثم العالم عليهم بثقله.

ورغم أن التضييق الذي يتعرض له مركز النديم والذي قد وصل أوجه بغلق المركز من قبل السلطات المصرية في فبراير 2017 بعد محاولة أولى تصدت لها الناشطات في المركز في فبراير 2016، إلا أن مناضلات المركز لم يتوقفن يوما عن الدور الذي يقمن به سواء بتأهيل ضحايا التعذيب والعنف أو بالمشاركة في الحملات الحقوقية أو إصدار أرشيف القهر الذي يصدره المركز شهريا وربع سنويا وسنويا على صفحته عارضا الانتهاكات ضد الحريات وحقوق الإنسان التي تصر السلطات المصرية على التمادي فيها، ورغم التضييق الشخصي الذي وصل أيضا لمنع مؤسستي المركز د.عايدة سيف الدولة ود.سوزان فياض من السفر، وأخيرا وليس آخرا ما حدث فقط الأسبوع الماضي بتقديم أحد المحامين المعروفين بارتباطهم بالسلطة في مصر ببلاغ إلى النيابة العامة ونيابة أمن الدولة العليا ضد د.عايدة بسبب دورها في مركز النديم ودفاعها عن حقوق الإنسان في مصر.

في الحقيقة لا أخفي فخري الشديد أن أكون هنا بينكم في هذه الليلة، ولا أخفي اعتزازي وأنا أرى المدرسة التي أنتمي إليها يتم تكريمها هنا اليوم، ولكني لا أخفي أيضا حزني وأنا أرى قاعة هذه الاحتفالية تخلو من أستاذاتي الأربعة: عايدة، ومنى، وماجدة، وسوزان اللاتي يتم تكريمهن الليلة بسبب التضييق الممارس ضدهن من السلطات المصرية.

نعم الطب في الأساس مهنة إنسانية، ولكن عالمنا اليوم لا يسمح بالكثير من هذه الإنسانية حتى في مجال الطب، حتى مناهج الطب في الجامعات لا يتعدى نصيب كل ما يمس الأخلاق والمبادئ الطبية وحقوق الإنسان فيها الصفحات المعدودة، ثم يأتي قسم أبوقراط الذي يردده الأطباء سريعا قبل ممارسة المهنة دون أن تكون ملابسات القسم سامحة للغوص فيه وفي أسسه وفي تطبيقه العملي.

هنا يأتي على الجانب الآخر مركز النديم، وهو الذي لم أعتبره يوما مجرد مركز لحقوق الإنسان، بل هو مدرسة حقوقية، وكطبيب أراه أيضا مدرسة تربط بين كل ما هو طبي وما هو إنساني، كاسرا ذلك الفصل التعسفي بين الطبيب ودوره الأخلاقي والإنساني، ولو كان هناك أبوقراط جديد في هذا الزمان لم يكن ليكون من خارج هذه المدرسة.

وهي المدرسة التي بدأت أتابعها بإجلال وتقدير منذ كنت طالبا في كلية الطب ثم طبيب حديث التخرج في الإسكندرية، إلى أن ابتسم لي القدر وجمعتني ورشة عمل حول الإهمال الطبي في أماكن الاحتجاز مع دكتورة عايدة سيف الدولة أثناء فترة عضويتي في مجلس نقابة أطباء الإسكندرية سنة 2013، وهو اللقاء الذي بدأت به رحلة تعاوني مع المركز وباقي مناضلاته، وهي الرحلة التي شرفت فيها بالتعاون معهن حول ملفات وقضايا مختلفة منها ما يخص الانتهاكات ضد طالبي اللجوء الذين تم اعتقالهم في الإسكندرية في صيف وخريف 2013 و2014 ، ومنها حملات من أجل المطالبة بالحرية للأطباء المعتلقين بسبب عملهم في المستشفيات الميدانية أو بسبب نشاطهم الحقوقي، وحملات ضد الاختقاء القسري، وحملات ضد الإهمال الطبي في السجون، حتى عملت معهن لوقت قصير من داخل المركز بعد خروجي من السجن على هذا الموضوع الأخير قبل اضطراري لمغادرة مصر في نهاية أكتوبر 2016.

وفي خلال هذه الفترة رأيت وتعلمت الكثير من القيم والمبادئ التي تحكم العمل داخل المركز الذي تأسس سنة 1993، رأيت كيف ترى مناضلات المركز أن الضحايا هم أساس كل عمل حقوقي، وأن كرامة الضحايا واحترام رغبات الضحايا واختياراتهم، مشاعرهم وخصوصيتهم، لها الأولية القصوى مهما بدت النضالات الكبيرة مهمة، ورأيت أيضا الدعم غير المشروط لهؤلاء الضحايا.

رأيت داخل النديم مزيج الشجاعة والصبر والعلم والإخلاص المذهل.

رأيت المحبة والتعاون بين فريق العمل، رأيت التفهم للصعوبات التي يواجهها العاملون في هذا المجال الصعب، والتي تتضمن صعوبات نفسية نتيجة طبيعة الانتهاكات الوحشية التي تستمع إليها يوميا طبيبات المركز، رأيت كيف تحاول أن تداوي العاملات والعاملين في المركز هذه الآثار عند بعضهم البعض من خلال اللمسات الإنسانية والتعامل الحاني المتفهم لطبيعة العمل.

ولا يقتصر دور مناضلات المركز في العمل مع ضحايا الانتهاكات بشكل فردي، بل يمتد دورهم وأثرهم إلى المجال العام في مصر من خلال مشاركتهم القوية والمستمرة في الحملات المختلفة دفاعا عن حقوق الإنسان، ومن خلال مواقفهن الصلبة ضد الانتهاكات التي تمارسها السلطة في مصر ضد الحريات المختلفة.

وفي اللحظات الأكثر صعوبة في المجال العام في مصر، وهي اللحظات التي كدنا نفتقد فيها اليقين، كانت مناضلات مركز النديم حاضرات ومتقدمات للصفوف دائما يعطين قدوة في الدأب والإصرار، ويضربن مثلا في الجدوى، وهي ليست تلك الجدوى النابعة من حتمية انتصار الخير في النهاية، ولكن الجدوى النابعة من أن كل عمل مخلص في سبيل الإنسانية سوف يلمس بدون شك قلوب الناس، وأن لمس هذه القلوب وهذه العقول كفيل بتغيير حيوات كثيرة، يمكنها بدورها أن تغير الكثير في هذا العالم.”

مواضيع ذات صلة