أصدرت اليوم 15 أكتوبر، 6 منظمات حقوقية مستقلة تقريرًا جديداً بعنوان “الإعدام العسكري” حول أحكام الإعدام الصادرة عن محاكم عسكرية بحق مدنيين، والتي تم تنفيذها في الفترة بين يوليو 2013 وحتى سبتمبر 2018. المنظمات المشاركة في إعداد التقرير-ضمن حملة أوقفوا الإعدام– تطالب بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام سواء الصادرة عن محاكم مدنية أو عسكرية، تمهيدًا لإعادة النظر في جدوى هذه العقوبة وفتح حوار مجتمعي حول إلغائها. كما تشدد المنظمات على خطورة هذه العقوبة وغيرها من العقوبات إذا صدرت عن محاكمات تفتقر للحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة، ويعتريها الكثير من الانتقادات والانتهاكات، على النحو الذي يعكسه التقرير الصادر اليوم بشأن الانتهاكات التي شابت 8 محاكمات أمام القضاء العسكري أسفرت عن إعدام 33 شخصًا.
تصدر المحاكم المصرية-المدنية والعسكرية شهريًا عشرات الأحكام بالإحالة للمفتي أو التصديق بالإعدام، في قضايا جنائية وسياسية. فمنذ بداية عام ٢٠١٨ وحتى الآن، صدر حكم الإعدام على نحو 175 شخصًا موزعين على 15 قضية، كان أبرزها الحكم بإعدام ٧٥ شخصًا في قضية فض اعتصام رابعة العدوية سبتمبر الماضي، فضلاً عن تأييد محكمة النقض حكم الإعدام على ٢٨ شخصًا على الأقل – أصبح إعدامهم واجب النفاذ- خلال هذا العام، موزعين على ٣ قضايا أخرها تأييد إعدام ٢٠ شخصًا في قضية كرداسة. بينما نفذت السلطات المصرية حكم الإعدام فعليًا بحق ١٠ أشخاص خلال العام الجاري، في ٦ قضايا عسكرية أبرزها تنفيذ إعدام ٤ أشخاص في قضية استاد كفر الشيخ في ٢ يناير الماضي.
التقرير الذي جاء في ثلاث مباحث رئيسية، أشار في مبحثه الأول إلى ترسانة التشريعات المصرية، التي تجعل الإعدام عقوبة لعشرات الجرائم، بما في ذلك قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته، وقانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون الأسلحة والذخائر رقم 394 لسنة 1954 وحتى قانون مكافحة المخدرات رقم 182 لسنة 1960. والقوانين التي تجيز نظر القضايا على خلفية سياسية أمام محاكم استثنائية، سواء كانت محاكم عسكرية وفقًا للقانون ١٣٦ لسنة ٢٠١٤ الخاص بحماية المنشآت الحيوية، أو القضايا التي ينظر فيها أمام دوائر الإرهاب المشكلة عام ٢٠١٣ بقرار من الرئيس المؤقت عدلي منصور. وطالب التقرير في توصياته بضرورة مراجعة هذه القوانين وضبط مصطلحاتها الفضفاضة ومراجعة العقوبات فيها، وخاصة تلك العقوبات-التي تصل بالإعدام-على جرائم لم يتحقق فيها الشق المادي للجريمة، مثل المعاقبة على “نية القتل” أو حوزة الأسلحة بهدف إجرامي معين لم يقع بعد.
كما تعرض التقرير في مبحثيه الثاني والثالث إلى المسار الزمني لـ 8 قضايا عسكرية صدرت ونفذت فيهم أحكام بالإعدام، مقدمًا قراءة في أوراقها – المحاضر وأوامر الإحالة ومنطوق الاحكام ومذكرات الطعن- ومستعينًا بشهادات الأهالي والمحاميين، لإلقاء الضوء على أبرز الانتهاكات التي شابت إجراءات التقاضي فيهم.
يبدأ التقرير من قضية “خلية عرب شركس” التي نفذ فيها حكم الإعدام في 17 مايو 2015 بحق 6 أشخاص في أول واقعة يتم فيها تنفيذ حكم إعدام على مدنيين أمام قضاء عسكري منذ ثورة 25 يناير 2011، مشيرا إلى انه ومع نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي نفذت السلطات المصرية حكم الإعدام بحق 27 مدنياً في 7 قضاياً، منها القضية رقم 93 عسكري والتي نفذ فيها الإعدام بحق 3 أشخاص بتاريخ 9 يناير 2018، كما أنها القضية الوحيدة التي أعدم فيها مدنيون أمام قضاء عسكري لاتهامات ذات خلفية غير سياسية.
تناول التقرير أبرز الانتهاكات التي تعرض لها المتهمين خلال هذه القضايا، بما في ذلك تعرض بعض المتهمين للاختفاء القسري واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي، الأمر الذي جعلهم عرضة لخطر التعذيب وسوء المعاملة الإنسانية وانتزاع الاعترافات منهم تحت وطأة تلك الجريمة، فضلاً عن إخلال تلك المحاكمات بحق الدفاع في حضور محاميهم على النحو الذي نصت عليه المادة 54 في الدستور المصري لعام 2014.
وترى المنظمات بأنه على الرغم من أن معدل إصدار القضاء العسكري لأحكام الإعدام على المتهمين ما يزال الأقل مقارنة بالقضاء العادي، إلا أن خطورة هذه الأحكام تكمن في التنفيذ الأسرع لعقوبة الإعدام مقارنة بالمحاكم المدنية، فمن بين 10 قضايا نفذت فيهم أحكام الإعدام خلال فترة التقرير، 8 منهم كانوا أمام القضاء العسكري. الأمر الذي ينبئ بخطورة هذه المحاكم، التي تغيب عنها الحيدة والاستقلالية بحكم طريقة تعيين قضاتها بقرار من وزير الدفاع، والتي تنتهك أيضًا حقوق المتهمين بمنعهم من الحصول على أبسط حقوقهم وعلى رأسها حقهم في المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي فضلا عن مصادرتها لحق المحاميين في الدفاع، والعصف بمبدأ علانية الجلسات، وانتزاع الاعترافات تحت ضغط مادي ومعنوي رهن ممارسات غير قانونية كالتعذيب والإخفاء القسري على النحو الذي يعرضه التقرير.
قدم التقرير مجموعة من التوصيات- التي تنضم إليها منظمات حملة أوقفوا الإعدام- وعلى رأسها دعوة السلطات المصرية وقف إصدار أحكام الإعدام وإعادة النظر فيها مرة أخري، بالإضافة للعمل على تعديل التشريعات المقننة لتطبيق عقوبة الإعدام باعتبارها انتهاك للحق في الحياة، والتوقف عن الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة وانتهاك حقوق المتهمين في القضايا التي قد يتم الحكم فيها بهذه العقوبة، وعلى رأس هذه الانتهاكات نظر قضاياهم أمام محاكم ودوائر استثنائية مثل المحاكم العسكرية ودوائر الإرهاب، وهى الانتهاكات التي قد تؤدي -حال ثبوت صحتها- لتحويل أحكام الإعدام الصادرة إلى إعدامات تعسفية.
جدير بالذكر أنه ومنذ بداية العام وعلى خلفية ارتفاع وتيرة تنفيذ أحكام الإعدام واستمرار إصدار الأحكام الجماعية بالإعدام انهالت على الحكومة المصرية توصيات وقرارات من الأممالمتحدة والبرلمانالأوروبي تطالب الحكومة بوقف تنفيذ كافة أحكام الإعدام خاصة الواجبة النفاذ وعدم التذرع بمكافحةالإرهاب، باعتبار هذه الأحكام إساءة فادحة لتطبيق العدالة، لأنها نتجت عن محاكمات غير عادلة، “يحتمالعودةفيها” على حد وصف المفوضة السامية لحقوق الإنسان في بيان أصدرته في ٩ سبتمبر ٢٠١٨.