“تعرفى يادكتوره ان ده المكان الوحيد اللى بحس فيه انى بنى آدم”
الجملة دى سمعتها لاول مره من اكثر من 15 سنة، على لسان احد الناجين من التعذيب اللى كان بيتردد على عيادة النديم، ومن ساعتها والجملة دى هى برشامتى اللى باجترها وابلعها كمان وكمان كل ما طاقتى بتقل.
ماعرفشى كام مرة حصل لى ذهول وأنا باوقف أدوية الإكتئاب لأحد الناجين من التعذيب، لأنه حالته النفسية اتحسنت بشكل ملفت بعد أول جلسة محاكمة لجلاده أو حتى عند سماع أقواله فى النيابة كمجنى عليه. دى ماتعملتهاش فى كلية الطب لكن اتعلمتها فى النديم.
ماعرفش كام مره حضرت جلسة محاكمة ضابط او أمين شرطة متهم بتعذيب واحد من مئات الناجين اللى كان ليا شرف انى اكون شريكتهم فى رحلة علاج من ألم نفسى مالوش علاج إلا برد الاعتبار. ماعرفشى كام مره بصينا للجلاد ورا القضبان وبصينا لبعض أنا والضحية بعيون مليانة فرح ودموع، بعيون بتحضن بعضها من غير كلام.
أيوه حضرت جلسات محاكمه وأيوه وقفت على أبواب السجون فى طوابير الانتظار المذلة، وقفت متضامنة ومساندة وحسيت بالوجع وحسيت بقيمة وجودى شريكة فى رحلة مش دايما نهايتها سعيدة. دى كمان مش مكتوبة فى كتب الطب، لكن اتعلمناها وبنقولها أنا وزمايلى فى النديم وبنكتبها واحنا عارفين انه بكره – اللى جاى معرفش امتى- هاتتدرس فى جامعاتنا.
ماعرفش كام مره حسيت بالحرج وأنا فى لقاء مع صحفى او باحث، وتتوالى الاسئلة عن عدد سنين شغلى فى النديم وعدد الحالات اللى شوفتها، ويأتى السؤال المؤلم: هل التعذيب بيقل ولابيزيد؟ وبجاوب الإجابه الأكثر إيلاما: بتزيد طبعا واحنا مابنشوفش إلا جزء ضئيل من العدد الحقيقى اللى بنعرف نوصل له.
وبعد الحرج ويمكن سحابة إحباط – مش دايما عابرة- باقول لمحاورى وباقول لنفسى، إنه أكيد وعى الناس بحقهم بيزيد، وإن عدد اللى بيقدروا يحكوا ويكتبوا عن اللى حصل لهم بيزيد، وإنه عدد اللى بيطلبوا العلاج النفسى من صدمة سحق الكرامة بيزيد. وأكيد عدد المجموعات والروابط والحركات والمنظمات المناهضة للتعذيب بيزيد.
وأقدر أقول بكل ثقة إن الاجهزة الأمنية بترتجف خوف من زيادة عدد الناس اللى بتكرههم وبتقاومهم بفكره أو بجملة اوبشعار. وكل مابيخافوا بيزيد سلاحهم وأسوارهم وزنازينهم وكلابشاتهم. لكن لا القمع بيقلل الكراهية ولا بيضمن الخضوع ولا حصونهم اللى مستخبيين وراها بتقلل خوفهم. ولا أسيادهم اللى بيخدموهم وبيكافئوهم قادرين على حمايتهم وحماية نفسهم بسياسات تغنيهم عن تلطيخ شرفهم وتاريخهم وضمائرهم.
د. منى حامد
18 فبراير 2016